» الرئيسية » أبحاث » سيد فرج يكتب: فك الشفرة «الإسرائيلية».. تجاه الحرب الروسية الأوكرانية


سيد فرج يكتب: فك الشفرة «الإسرائيلية».. تجاه الحرب الروسية الأوكرانية

30 مارس 2022 - 07:17

  

byسيد فرج

صمت مريب، وحذر في التصريحات والتحركات، يلامسه الخوف، ورسائل متضاربة، وغموض وتكتم، هذا ما يغلف موقف الكيان الصهيوني، تجاه الحرب الروسية الأوكرانية.

وهذا السلوك على خلاف ظن البعض، أن «إسرائيل» لا تهتم بهذه الحرب، لبعدها عن حدودها المزعومة، أو أن موقفها هو الانحياز لأوكرانيا، باعتبار أن رئيسها يهودي، أو أنه تابعة للموقف الأمريكي، فأينما ذهبت أمريكا، فهي ذاهبة .

ولكن المتابع للتحركات «الإسرائيلية» الأخيرة، يبدو له جليا اهتمامها بهذه الحرب، وتأثرها بها،

وهذه التحركات جاءت على النحو التالي:
١- سفر رئيس وزرائها إلى روسيا، يوم السبت الموافق٦/٣ (متجاوزا سبت اليهود الذي يحرم السفر يوم السبت إلا لضرورة أمنية) وهو اليهودي المتشدد .

٢- اجتماعه ببوتين ٣ ساعات متواصلة، وهو اللقاء الثاني منذ فوزه .

٣-طلبه من أوكرانيا الرضوخ للمطالب الروسية .

٤- لم تنحاز لرئيس أوكرانيا (اليهودي) ولم تمده بالسلاح

٥- لم تقم بتنفيذ العقوبات، على رجال الأعمال الروس المستثمرين لديها .

٦- لم تشارك بفاعلية في العقوبات.

٧- أعلنت أنها تسعى للعب دور الوسيط النزيه، بين الطرفين، وهذا موقف على خلاف الحقيقة .

٨- قامت بالاجتماع بمجموعة من القيادات الإقليمية، بداية من الإمارات، مرورا بتركيا، ثم مصر، 

انتهاء بعقد قمة غير مسبوقة في «إسرائيل» بين مجموعة كبيرة من وزراء الخارجية العرب و«إسرائيل» وأمريكا،

وسيكون على جدولها تداعيات الحرب الروسية، وتنسيق المواقف تجاهها .

وبالنظر لتاريخ العلاقات، والمصالح «الإسرائيلية»، مع روسيا (في عهد بوتين) حيث تربطه علاقات شخصية بيهود روسيا، إضافة لرؤية «إسرائيل» لنفسها في محيطها،

وللدور التي تقوم به روسيا «بقيادة بوتين» بالتوازي مع الدور الأمريكي الحليف الاستراتيجي لها، يجعل من مصلحتها، استمرار روسيا قوية، مع استمرار أمريكا قوية، حيث أنهما داعمان أساسيان لها،

وليس من صالحها حدوث حرب، تخسر فيها أحد الحليفين، لذلك طالبت من الرئيس الأوكراني (اليهودي) الرضوخ للمطالب الروسية .

لذلك يمكن فك الشفرة وبلورت الموقف «الإسرائيلي»، من الحرب الدائرة في مجموعة العناصر التالية:

الأول: ترفض استمرار الحرب ببن روسيا والغرب لأنها تضعف حلفائها:
الكيان الصهيوني، يرى في روسيا والغرب، أنهما حليفان رئيسيان، كل منهما له أسلوبه في دعمها، ويحققان معا لها، الأمن، والاستقرار، والاستمرار،

فليس من صالحها أن تخسرهما أو أحدهما، وترى في روسيا، أنها حليف هام، يقوم بدور قوي في أمنها،

حيث تضمن لها عدم تهديد إيران وحلفاءها الشيعة في المنطقة، وذلك عن طريق لجمهم، والتحكم في تحركاتهم في سوريا، ولبنان .

كذلك روسيا، قامع أساسي، لثورات الربيع العربي، بنفسها كدورها في سوريا، أو عن طريق حلفائها في ليبيا واليمن، وهي الثورات التي تشكل تهديدا استراتيجيا للكيان الصهيوني،

لذلك ترى استمرار الحرب، يمكن أن يضعف،أو يعيق روسيا عن القيام بهذا الدور، فتنبعث التهديدات لها من جديد.

الثاني: تريد إنهاء الحرب بلا غالب ولا مغلوب من روسيا والغرب ولا تنظر لمصالح أوكرانيا:
طالبت «إسرائيل» من الرئيس الأوكراني، الموافقة على مطالب روسيا، والتي في حقيقتها، استسلام لروسيا والقبول باحتلالها، لكل من جزيرة القرم، وإقليم دونباس،

ونزع سلاحها، ومنعها من امتلاك سلاح نووي، أو الانضمام للناتو، كل هذا تطلبه، حتى لا تستمر الحرب بين الغرب وروسيا،

والتي ستنشغل بها روسيا عن دورها، في سوريا وليبيا، وغيرهما،

وفي النهاية سيتمزق الاتحاد الروسي، كما تمزق الاتحاد السوفيتي، وهذا ضار جدا بمصالحها وخاصة الأمنية .

الثالث: علاقاتها بروسيا أقوى من علاقاتها بأوكرانيا :
تجمع بوتين واليهود الروس، علاقة قوية، حيث أنه بنى أول مدرسة يهودية، في لينينغراد، وأقام المتحف اليهودي الكبير في موسكو، وتبرع براتبه الشهري مساهمة في بناءه، وتمت تسمية جناح في المتحف باسمه تكريما لدوره .

كما تضم روسيا الاتحادية، «جمهورية اليهود المنسية الأوبلاست» وعاصمتها «بيروبيجان» وتنعم بالحكم الذاتي، ومساحتها ٦ ٣ كم٢، وتضم قرابة 5 6 1 ألف يهودي،

ولليهود لوبي قوي في روسيا، مكون من كبار رجال الأعمال والمال، متعاظم دوره، في اتخاذ القرار السياسي الروسي.

أما أهمية أوكرانيا، والتي يترأسها رئيس يهودي، بالنسبة لها، أقل بكثير من أهمية روسيا،

حيث أن الرئيس الأوكراني، منتخب، في دولة ديمقراطية، فيمكن تغييره،

ثم أن دور وقوة ونفوذ وعدد اليهود في أوكرانيا أقل بكثير منهم في روسيا، فهم لا يتجاوزن 5 4  ألف نسمة،

إذن طبيعة العلاقات، والأهمية، والمصالح، تدفع «إسرائيل» للحفاظ على وجود روسيا قوية، ومؤثرة، في المشهد الدولي والإقليمي .

الرابع: تخشى إسرائيل تداعيات هذه الحرب:
والتداعيات التي تخشاها، هي غياب تأثير روسيا، وهي حليف قوي لها،

له تأثيره الكبير في محيطها الإقليمي، سواء من ناحية حمايتها، من التحالف الشيعي،

أو من ناحية قمعه لثورات الربيع العربي، أيضا وجوده يعطيها، حرية المناورة في حالة تم الضغط عليها من قبل المعسكر الغربي،

في مسائل حقوق الإنسان، أو حل الدولتين، أو غير ذلك .

كما تخشى، في حال غياب دورا روسيا في المنطقة، أن يستهدفها التحالف الشيعي، ويحاول ابتزازها، أو الضغط عليها، أو تهديد مصالحها،

خاصة بعد تفعيل الاتفاق النووي، كما تخشى انتصار  ثورات الربيع العربي، في سوريا وليبيا، وهذا يشكل تهديدا وجوديا استراتيجيا لها.

الخامس: إسرائيل تتحرك إقليميا لتتجنب تداعيات هذه الحرب:
تتحرك الآن لكي تشكل تحالفا، معلنا أو غير معلن، لمواجهة التحديات الحالية، والتهديدات، والأخطار، التي يمكن أن  تواجهها،

وتريد من الدول ذات العلاقات القوية معها التنسيق، ألم يكن تسعى لتشكيل تحالف،

ضد الخطر الذي يمكن أن يوجهها، والمتمثل في خطر إيران وحلفاءها، وثورات الربيع العربي،

التي يمكن أن تنبعث من جديد، في سوريا وليبيا .

وفي الختام:
يمكننا القول أن «إسرائيل» سوف تتضرر كثيرا، بتداعيات هذه الحرب،

على المستوى الاستراتيجي البعيد، وهي تحاول الآن دعم روسيا، والحفاظ على دورها الإقليمي والدولي،

وتحاول خداغ الحليف الغربي، وخاصة الأمريكي، الذي يحاول طمأنتها بشتى الطرق .

ولكن في الحقيقة، عندما توازن أمريكا بين تهديدها، من قبل روسيا والصين، وبين مصالح إسرائيل،

سوف ترجح مصلحة أمريكا، من باب أنها يمكن أن تحقق لـ«إسرائيل» مطالبها الأمنية في محيطها،

لهذا جاء الوزير الأمريكي لكي يبارك التحركات «الإسرائيلية» في المنطقة، ويقلل من مخاوفها .

ولكن، وبغير أسف فإن «إسرائيل» ستتضرر بشكل كبير، من غياب دور الدب الروسي الذي سيتمزق قريبا، ولن يمنع تضررها تحالفاتها في المنطقة .

 

المصدر: جريدة الأمة 

https://al-omah.com/%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D9%81%D8%B1%D8%AC-%D9%8A%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D9%81%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%81%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9/